احداث الشرق وجد
“المعارضة البرلمانية” مفهوم يرتبط بنيويا بالديمقراطية التمثيلية. وهو مؤسس على الاعتراف المتبادل بين الأغلبية والحكومة المنبثقة عنها وبين المعارضة البرلمانية. فالثانية تعترف بحق الأولى في التشريع والتنفيذ والأولى تعترف بحق الثانية في النقد والمراقبة وتقديم البديل. لذا لا يتصور خارج أنظمة الديمقراطية التمثيلية والفصل بين السلط واحترام الحقوق والحريات الأساسية والتناوب على السلطة بواسطة نتائج صناديق الاقتراع التشريعي.
وباستثناء التجربة البريطانية الفريدة من نوعها، لم تحض المعارضة البرلمانية بالاهتمام المبكر من طرف الباحثين في القانون الدستوري والعلوم السياسية مثلما اهتموا بالأغلبية البرلمانية وبالمؤسسة الحكومية. وأمام هذا الفراغ التنظيري، بادرت الأنظمة الداخلية للبرلمانات إلى وضع الضوابط التدبيرية للتنافس بين الأغلبية والمعارضة في البرلمان ومن ثم إيلاء المعارضة بعض العناية لكن هذه الأخيرة تزايدت بشكل مطرد حتى أفرزت ما يسمى اليوم ب “القانون البرلماني”.
لم يكن ينظر للمعارضة البرلمانية ك “كائن قانوني“، فبالأحرى ك “مؤسسة دستورية “. ومرد ذلك إلى تداخل عوامل متعددة، منها تعدديتها وتنوع أشكال تعابيرها وكثرة أنشطتها خارج فضاءات البرلمان وأحيانا تجاوز معارضة الحكومة إلى معارضة الحكم والنظام السياسي ذاته.
وأمام الصعوبات المختلفة في ضبط مفهوم المعارضة البرلمانية في جوهره، تم التركيز، لأسباب عملية، على المعيار المؤسساتي والسياسي لتعريف المعارضة البرلمانية. فقد عرفها كثير من الباحثين بكونها مجموع الفرق والمجموعات البرلمانية التي لا تؤيد الحكومة في سياستها العامة ولا تنسجم مع الأغلبية البرلمانية المدعمة لها. فتنافسهما معا بواسطة تصويتها وتصوراتها وتصريحاتها، وأرائها وتقدم عروضا سياسية بديلة عنها.
وعرفت بلادنا المعارضة البرلمانية مع ميلاد الحياة البرلمانية مباشرة بعد الاستقلال والمملكة في صلب مخاضات الحرب الباردة. وكانت هناك معارضة سياسية قبل أن تصبح معارضة برلمانية. فرغم تواجدها المستمر بالبرلمان عقب أول دستور لسنة 1962، إلا أنها تميزت بمقاطعتها بعض من مكوناتها لمراجعاته في سنوات 1970 و1972 و1992. ولم تغير من موقفها السياسي إلا بمناسبة المراجعة الدستورية لسنة 1996، حيث صوتت عليها – ولأول مرة في التاريخ السياسي المغربي – جميع القوى السياسية الحية في البلاد. فأعقبها ” تناوب توافقي” وصلت بمقتضاه المعارضة آنذاك إلى سدة الحكومة سنة 1998.
لقد عاشت المعارضة البرلمانية خلال هذة الفترة الطويلة ك”واقع قانوني“. إلا أن هذا الواقع القانوني لم يمنع الأنظمة الداخلية للبرلمان من إعطائها صلاحيات سياسية هامة، لكنها، رغم ذلك، لم ترق إلى ” كائن قانوني” و”مؤسسة دستورية“.
وبالنظر إلى نضج التجربة الديمقراطية المغربية، رفع الدستور الجديد سقفها، وحقق بانفتاحه السياسي وحمولته الديمقراطية والحقوقية الكبرى، تطورا سياسيا نوعيا في هذا الصدد. إذ دستر المعارضة البرلمانية. وبوأها مكانة متميزة. وخولها حقوقا هامة خاصة بها. فارتقى بها في بابه الأول إلى مستوى مؤسسة دستورية بالمعنى الكامل. فالفصل 10 من الدستور ينص صراحة على ما يلي:
“يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شانها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية”.
” ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية……….”
ويوضح الدستور بشكل أكثر مكانة المعارضة البرلمانية حيث ينص الفصل 60 منه على أن ” المعارضة مكون أساسي في المجلسين، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، طبقا لما هو منصوص عليه خاصة في هذا الباب ……….”.
وإذا كان الفصل 10 من الدستور متع المعارضة البرلمانية بمنظومة من الحقوق الأساسية الخاصة بها، على غرار أعرق الديمقراطيات الغربية، فقد أوضح أن تحديد كيفيات ممارسة هذه الحقوق يتم بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين والنظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان.
ما يسترعي الانتباه أن كل ما صدر بعد سبع سنوات من حياة دستور فاتح يوليوز 2011 هو مراجعات متكررة للنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان. ولم تبادر الحكومة ولا الأغلبية البرلمانية ولا المعارضة نفسها إلى تقديم مشروع قانون تنظيمي أو مشروع قانون أو مقترح قانون يبين كيفية ممارسة المعارضة البرلمانية لحقوقها الدستورية في مجال العمل البرلماني والحياة السياسية. وهذا ربما راجع إلى رغبة الكثير من الأطراف تلافي تزايد قوة وضغط المعارضة البرلمانية على الحكومة وعلى الأغلبية المدعمة لها.
وعليه فاستكمالا لتفعيل ما تبقى من مقتضيات الدستور الجديد ارتأينا في فريق الأصالة والمعاصرة، كأكبر فريق في المعارضة البرلمانية الإقدام على هذه المبادرة التشريعية لدواعي ثلاثة:
ـ أولا: تحملا لمسؤوليتنا السياسية والتشريعية في البرلمان؛
ـ ثانيا: استثمارا لرصيدنا البرلماني الهام في المعارضة الجادة والحداثية منذ تأسيس حزبنا وفريقينا بمجلس النواب ومجلس المستشارين سنة 2008 إلى اليوم لتفعيل الخيار الديمقراطي، الذي لا رجعة فيه، في مختلف أبعاده البرلمانية والسياسية، ومنها المساهمة المتميزة في مأسسة المعارضة البرلمانية في بلادنا وتحديد كيفية ممارستها لحقوقها الدستورية؛
ـ ثالثا: المساهمة الفعلية في تطوير الآليات الكفيلة بمعالجة اختلال التوازن على مستوى الممارسة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وكذلك بين الحكومة وأغلبيتها وبين المعارضة البرلمانية. وأكبر مؤشر على الاختلال المذكور هما: أولا هيمنة الحكومة على العملية التشريعية والرقابية وضعف تجاوبها مع الأسئلة الكتابية ومع استدعاءات اللجن الدائمة لها وشبه تجميدها لآلية المراقبة المعروفة ب” الإحاطة” أو” التحدث في موضوع عام وطارئ“، وثانيا الارتفاع المضطرد لدرجة الاحتقان الاجتماعي وانتشار الاحتجاج والنقاش في الشارع بدل تمركزه تحت قبة البرلمان وبين ممثلي الأمة.
لهذا فالمشروع ينصب على إبراز المكانة الدستورية للمعارضة وعلى تحديد كيفية ممارستها لحقوقها الدستورية في العمل البرلماني والحياة السياسية. ويسعى إلى تحقيق 4 أهداف استراتيجية:
1-استكمال تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بمكانة وبمهام المعارضة البرلمانية وبحقوقها في مجال العمل البرلماني والحياة السياسية للرفع من المردودية الديمقراطية للدستور الجديد في المجالين الاجتماعي والتنموي؛
2- ملء الفراغ التشريعي الخاص بتحديد كيفية ممارسة المعارضة البرلمانية للحقوق التي خصها بها الدستور لكونها تستوعب المعايير الديمقراطية الكونية بشأن وضع النظم القانونية للمعارضة البرلمانية كمؤشر على انفتاح دستورنا على العالم الديمقراطي الحر؛
3- بلورة دعوة جلالة الملك محمد السادس نصره الله للتأويل الديمقراطي للدستور من أجل مأسسة منتجة للمعارضة البرلمانية وتعزيز مكانتها وتقوية الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة لقطف الثمار الديمقراطية لفصل السلط وتوازنها وتعاونها طبقا لمقتضيات الفصل الأول من الدستور؛
4- تمكين المعارضة البرلمانية من نظام قانوني متطور ومن المكانة الفعلية التي خولها لها الدستور وتحديد كيفية ممارستها لحقوقها الدستورية وتمكينها من القيام بالمهام المنوطة بها على الوجه الأكمل والرقي بديمقراطيتنا إلى أعلى المراتب.
أما من حيث المنهجية فتم إختيار القانون التنظيمي وليس القانون لأن الموضوع دستوري المنشأ وصيغة القانون التنظيمي تكمله وتنسجم مع أبعاده الإستراتيجية. ولقد تم بشأنه استثمار المعايير الكونية الخاصة بالمعارضة البرلمانية وكذلك القوانين التنظيمية والأنظمة البرلمانية المقارنة لأعرق الديمقراطيات التمثيلية عبر العالم إضافة إلى ثراء اجتهاد القضاء الدستوري الوطني.
وتجدر الإشارة إلى أن مشروع مقترح القانون التنظيمي هذا ليس مدونة ل”حقوق المعارضة” جمعت فيه كافة حقوق المعارضة البرلمانية، بل هو مشروع مقترح ينصب على إبراز المكانة الدستورية للمعارضة البرلمانية ومهامها وتنظيمها وتحديد كيفية ممارستها لقائمة الحقوق التي خصا بها الدستور في مجال العمل البرلماني والحياة السياسية.
يحتوي مقترح القانون التنظيمي على 94 مادة، موزعة على 5 أبواب:
الباب الأول: مقتضيات تمهيدية؛
الباب الثاني: مكانة المعارضة البرلمانية ومهامها وتنظيمها؛
الباب الثالث: الحقوق المخولة للمعارضة البرلمانية وكيفية ممارستها؛
الباب الرابع: واجبات المعارضة البرلمانية؛
الباب الخامس: مقتضيات ختامية
الباب الأول: مقتضيات تمهيدية
المادة الأولى:
تطبيقا للمقضيات الدستورية ذات الصلة بالمعارضة البرلمانية، ولاسيما الفصلان 10 و60 من الدستور، يحدد هذا القانون التنظيمي مكانة ومهام وتنظيم المعارضة البرلمانية.
ويحدد كيفية ممارسة المعارضة للحقوق الدستورية الخاصة بها، والتي تخولها لها المكانة التي يضمنها لها دستور المملكة، في ظل نظام دستوري وسياسي قائم على أساس مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها، وعلى أساس مرتكزات الديمقراطية المواطنة والتشاركية ومبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
المادة 2:
يشار إلى المعارضة البرلمانية في هذا القانون التنظيمي ب”المعارضة“، وسواء تعلق الأمر بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين.
الباب الثاني: مكانة المعارضة البرلمانية ومهامها وتنظيمها
المادة 3:
طبقا للخيار الديمقراطي للمملكة الذي لا رجعة فيه ولمقتضيات الدستور ولا سيما الفقرة الثانية من الفصل 60 منه، المعارضة مكون أساسي في مجلسي البرلمان.
تشكل المعارضة باعتبارها امتدادا ديمقراطيا مباشرا أو غير مباشر لأحزاب سياسية ونقابات، قوى اقتراحية، وسلطة تقرير ومراقبة دستورية. تضطلع بمهامها في العمل البرلماني والحياة السياسية. وتساهم، على وجه الخصوص، في الوظائف البرلمانية من تشريع وتقييم السياسات العمومية ومراقبة العمل الحكومي والإدارة الموضوعة تحت تصرف الحكومة كما تساهم في العمل الدبلوماسي البرلماني.
المادة 4:
حرية الانتماء للمعارضة البرلمانية حق مضمون لكل فريق برلماني ولكل مجموعة برلمانية ولكل برلماني (ة) غير منتسب(ة) في مجلس النواب كما في مجلس المستشارين.
المادة 5:
يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة ديمقراطية تخولها حقوقا دستورية كفيلة بأن تمكنها فعليا من النهوض بالمهام الدستورية المنوطة بها على الوجه الأكمل في العمل البرلماني والحياة السياسية.
المادة 6:
تتكون المعارضة البرلمانية، في منظور هذا القانون التنظيمي، من الفرق والمجموعات البرلمانية، ومن البرلمانيين غير المنتسبين عند الاقتضاء، المنتمين لمجلس النواب أو لمجلس المستشارين الذين أعلنوا رسميا عن عدم الانتماء إلى الفرق والمجموعات النيابية الذين يكونون الأغلبية البرلمانية، واختاروا معارضة السياسة العامة للحكومة وانتقاد الأغلبية البرلمانية المساندة لها وذلك بتصريح مكتوب وموقع من طرفهم.
المادة 7
كل فريق أو مجموعة برلمانية، وكل برلماني غير منتسب، حر في الانسحاب من المعارضة لدعم الحكومة والأغلبية البرلمانية المساندة لها، أو البقاء على الحياد، في أي وقت شاء. ويتم التخلي عن المعارضة وفق نفس إجراءات الانتماء إليها المبينة في المادة 9 بعده.
المادة 8:
ينصب عمل المعارضة البرلمانية على مراقبة الحكومة ومنافسة الأغلبية وخاصة بواسطة مايلي:
-
منافسة الأفكار والحلول والتصورات بشأن التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية وتقديم العروض البديلة لمبادرات الفرق والمجموعات النيابية المكونة للأغلبية البرلمانية المدعمة للحكومة؛
-
الانتقاد والمراقبة وتقديم البدائل الفضلى للسياسة العامة للحكومة ولسياساتها القطاعية ولمبادراتها في جميع مجالات الحياة العامة؛
-
اليقظة المستمرة والحرص الدائم على توفير الشفافية والجدية والنجاعة في ممارسة الوظائف البرلمانية وفي انجاز المهام الحكومية؛
-
المساهمة الفعلية في إغناء النقاش البرلماني والسياسي التعددي وتعميق الحوار الديمقراطي البناء حول قضايا الشأن العام الوطني؛
-
تمثيل وتأطير المواطنات والمواطنين، والمساهمة في تكوينهم تكوينا سياسيا، وفي الرفع من مستوى وعيهم، وتعزيز روح الوطنية لديهم، بهدف تمكينهم من حرية الاختيار الديمقراطي النزيه والشفاف للبدائل السياسية، عند الاقتضاء، بمناسبة الانتخابات التشريعية وغيرها؛
-
اتخاذ كل المبادرات الديمقراطية المشروعة التي من شأنها تجويد العمل البرلماني والرفع من مستوى الأداء الحكومي وخدمة المصلحة العامة للوطن وتحسين شروط عيش المواطنات والمواطنين وصيانة كرامتهم في أبعد مداها؛
-
طمأنة المواطنين والمواطنات بفتح الآفاق السياسية الجديدة وبتقديم عروض سياسية واعدة ومشاريع بديلة قادرة على اكتساب ثقة المواطنين والمواطنات، والدفاع عن مبادرات أنجع مما تقدمه الحكومة المسيرة للشأن العام الوطني من شأنها أن تقوي الأمل في تحقيق حلم الرفاهية والسعادة للجميع.
المادة 9:
يتم ترسيم الانتماء للمعارضة البرلمانية بما يلي :
-
إيداع تصريح سياسي، مكتوب وموقع من طرف رؤساء الفرق والمجموعات البرلمانية التي اختارت المعارضة، مرفق بلوائح أسماء وتوقيعات البرلمانيات والبرلمانيين المنتمين لكل فريق ولكل مجموعة برلمانية، وكل برلماني غير منتسب، الذين اختاروا المعارضة، لدى مكتب مجلس النواب أو لدى مكتب مجلس المستشارين حسب الحالة؛
-
القيام بالإيداع المذكور قبل افتتاح دورة أكتوبر من بداية الولاية التشريعية، وعلى أبعد تقدير10 أيام بعد انتخاب جميع هياكل مجلسي البرلمان.
تتبع نفس الإجراءات عند منتصف الولاية التشريعية لكل مجلس، وكلما حصل تغيير في الموقع السياسي للفرق والمجموعات البرلمانية وكل برلماني غير منتسب، التي اختارت المعارضة.
-
يعلن كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين عن تشكيل المعارضة في أول جلسة عامة للمجلس تنعقد بعد إيداع التصريح المشار إليه أعلاه. ويبلغ رئيس كل مجلس ذلك فورا إلى جلالة الملك وإلى رئيس الحكومة وإلى رئيس المحكمة الدستورية وإلى المجلس الآخر للبرلمان؛
-
ينشر التصريح الرسمي بالمعارضة في الموقع الالكتروني والجريدة الرسمية لمجلسي البرلمان وفي الجريدة الرسمية للمملكة؛
-
الالتزام المبدئي بالدفاع، توخيا للوضوح في المشهد البرلماني والسياسي، عن عروض ومشاريع بديلة وعن آراء ومواقف وتصورات مختلفة عن آراء ومواقف وتصورات الحكومة بحيث تشكل تقييما وتقويما لها، وبديلا ديمقراطيا لها.