مكناس // المتحول بين العبادة والعادة

hisspress.net

مكناس / بقلم ذ/ محسن الأكرمين
يزم الأحد 6 يوليوز2014

إن أعظم افة تلبسنا كرها ، هي افة تحول العبادة إلى عادة وظيفية نؤديها بتمام موضوع أركانها وفروضها و شروطها ، ولا تترك أي أثر راجع على أنفسنا أوعلى سلوكياتنا المعاملاتية 

     موضوع تحول العبادة إلى عادة عادية نمارسها فرديا أو جماعيا ،هو فتح باب نسكت عن الحديث عنه بالتعود ، طالما أننا نمارس أركان الشرع بشكل ما ونلتزم به . لما الخوض في أمر يمكن للقارئ أن يبدي استغرابه منه ، ويرده علينا بالجرح والتعديل .
فقد علمتنا التجارب الحياتية أن امتلاك ناصية أمر ما ، يتم عند تكرر فعله بنفس المنطلقات الأولية ، ثم يصيرعادة نمتلكها بالقدرة ومهارة الأداء  ، من تم نألف الفعل ونمارس العبادة كعادة بمتوالية ادفع . والأخطر هو تحول بعض التقاليد الإجتماعية في المعتقد الجماعي إلى مسلك العبادة ، وهو الإنحراف البين عن الصراط المستقيم.
إنه خطر العادة الذي يتربصنا في صلاتنا و نجوانا ، وفي صيامنا…  خطر تنقلب فيه العبادة إلى واجب منفصل عن المرامي السامية الإلهية من إقرارها ،عادات بسيطة نكسبها تلقائيا و متمها تيمن السلام في الصلاة …  بينما النفس / الذات لا تحرك ساكنا ولا انفعالا شعوريا مع أداء العبادة بأركانها وفروضها وشروطها .  وينجر الأمر إلى معاملاتنا عندما نفقد مسلك الصدق في أقوالنا وأفعالنا ، والأمانة في ممارساتنا اليومية سواء الفردية أو الجماعية ، وفي التزاماتنا مع حقوق العباد ، والأخلاق في سلوكاتنا الاجتماعية بمصداقية الدين الاسلامي وتعاليمه ، ونفقد حتى احترام الإنسان في بعده البيئي الكوني .
فإذا كان أمر العادة في شأننا الدنيوي يمكن القبول به ، فإنه في أمر العبادة من غير المعقول أن يصبح أداء الفرائض بشكل أصم وأجف يفسد أمر تقربنا من الخالق عز وجل.  فكيف نحكم  على من أدى صلاته كعادة يومية تنجز بالتكرار خمس مرات وهو مسلوب الشعور من خشوعها وآدابها وأهدافها الإصلاحية ؟ كيف نحكم على معاملاته الوضعية التي لاتستلهم من العبادات الدينية  أي أثر من نفحات روح الدين ؟ .
إن أعظم افة تلبسنا كرها ، هي افة تحول العبادة إلى عادة وظيفية نؤديها بتمام موضوع أركانها وفروضها، ولا تترك أي أثر راجع على أنفسنا أو على سلوكياتنا المعاملاتية .

فقضية العادة نلحظها من ممارسة الصلاة فقوله تعالى :اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُالعنكبوت:45.  فالنص القراني جلي لا لبس فيه ولا يحتاج إلى تأويل . فالصلاة تنهى عن (الفحشاء/المنكر) لكننا نقر أن الفحشاء والمنكر والفساد – ” الفساد بحمولته الكونية ” – استوطن بشكل أخطبوطي فئات عريضة من مجتمعنا الإسلامية ، بمن فيهم من يقيم الصلاة في أوقاتها وبالمساجد – لا نعمم القول-  من تم أمكن لنا أن نسمي منتوج – كقيمة مضافة – العبادة (الصلاة مثلا) عادة و تقليد .

مؤشرات أثر العبادة يتم قياسها من داخل الفرد المتعبد ، باعتبار العبادة يجب أن تكون قولا باللسان وعملا بالأركان واعتقادا بالجنان / القلب ، وروحا سلوكية حاضنة لقيم المجتمع النمطية . دون إغفال أو التغافل عن أن العبادة هي محلة إرادة التغيير، من حيث الذات والأسرة والوسط الإجتماعي . فصورة صفاء السريرة / الخشوع/ المساواة /العدل … وغيرها ،هي صور إزاحتها لازمة بدون فارق بين مقام العبادة وراء المحراب، إلى المعاملات اليومية لبناء أمة دار الاسلام .

فمن المعقول القول أن الصلاة لو مارسناها عبادة وسلوكا لقربتنا من الله عز وجل ، ولنهتنا بالكف عن الفحشاء والمنكر(الفساد)  امتثالا لقوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ“. إذا لا بد من استرجاع أثر مكارم أخلاق الصلاة على الفرد والجماعة من حيث تصريفها و تنزيلها بالتمام والكمال على كل مكونات مجريات الحياة .
التحول بالعبادة من قيمتها الروحانية النفسية إلى عادة وتقليد يومي تدبيري نعتاد عليه بالألفة ، فتصبح الصلاة ضمن الاستعمال الزمني / اليومي ، والجمعة محطة أسبوعية – ( ترف ديني ) – من تمفصلات البرنامج العام ، ورمضان خطة شهرية يغلب عليها طابع  التوبة وطلب المغفرة …، ثم العود بعده الى نفس النهج الحياتي الى حين …،هنا يصبح الأمر ينتقل من العادة إلى المشكلة الدينية . وأقصد بالقول هنا ، أن العبادة تنسحب من قيمتها الوجدانية الروحية التعبدية إلى الفعل المتكرر طيلة مسار الحياة  بغير إضافة نوعية بصلاح حياة الفرد و الجماعة .
إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم  إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع “ المودع هو الزاهد في الحياة ،والذي يضع نصب عينيه لقاء الرحمان بعد انقضاء الصلاة . إنها صلاة التي تقطع الوصل بالشؤون الدنيوية ، صلاة نستوثق من صحتها أنها الدواء الأمثل لتجنب الصلوات المحشوة بالوساوس والهواجس الدنيوية التي تركب عقولنا منذ التكبيرة الأولى لها. العلة الثانية في الحديث النبوي الشريف من كلمة الشاهد  مودع  إنها الحل الذي يمكن أن ينقل من موطن العبادات إلى بحر المعاملات بنفس القياسات و المناولات الصادقة والسلوكيات المدنية  …
البحث عن فك العقدة المشكلة الرابطة بين العبادة  والعادة فكرة أصيلة ، نمتلك حلها بين أيدينا جميعا ، فالعمل بتجديد غذاء الروح  بالتعبد الديني ،هو الصيغة الأولي الكامنة ضمن خانة الإرتقاء بالعبادة إلى مسلك الروحانية / الصوفية ، ثم توسيع حقينة صفوة وصفاء العبادة كمرآة تقابلية تضمن نقل الفعل الصادق التعبدي إلى بحر المعاملات الإجتماعية بمعيار ضمان كرامة الإنسان .
الحلول كثيرة لا تقف عن حد في الإجتهاد فيها وتفكيك رموزها المتداخلة ، لكننا ما زالت تسكننا وتلبسنا العادة ونبتغي بها العبادة الحقة ، فهل من صحوة بديلة ؟ ، وهل حواشي العادة والتقليد ستصمد بقوة ضد صحوة مرتقبة ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *