متابعة \\من الصخيرات الى تازمامارت تذكر ذهاب وأياب الى الجحيمم

hisspress.net

يوم السبت 20 دجنبر 2014
مقتبس من الكتابكتاب عزيز بينبين تازماموت

الفصل الأخير من حكايتي مع تزمامارت 

هكذا يطيب لي أن أصف هذا الكتاب؛ حكاية بدأت بقراءة رائعة بن جلون ‘تلك العتمة الباهرة’ التي هالني ما وجدت فيها من أحداث صادمة ولأخفف عن نفسي وأدافع قليلاً عن مصطلح الإنسانية اختبأت وراء كلمة رواية وكلي قناعة بجموح خيال بن جلون فالكتابة شاء أم أبى مهنة يمتهنها تستوجب بذلك أن يشطح خياله قليلاً أو كثيراً. وكأن بن جلون أراد أن يدافع عن نفسه بأن أصابني بهوس تزمامارتي قادني للوصول إلى برنامج أحمد منصور ‘شاهد على العصر’ فتابعت بشغف وألم ودموع حلقات أحمد المرزوقي (انقلاب الصخيرات) وصلاح حشاد (انقلاب أوفقير) كاملة، ويالا هول ما سمعت؛ لم أكتفي من ذلك وأتبعته بكتاب أحمد المرزوقي الذي يسرد فيه معاناته هو ومن معه في ذلك الحجيم وبما أن الموضوع يفتح الباب لموضوع آخر كانت الحصيلة النهائية مع هذا الكتاب خمس كتب

أتخيل بن جلون بعدها يسألني: ما رأيك؟ هل خيالي جامح كما تدَّعين؟!!

ماذا أقول؟ سأعترف أولا يا سيدي بأنك مُرهف، ورحيم بقرائك لأن ما كتبته لطَّف كثيراً من المأساة التزمامارتية؛ ثانياً الاعتذار لك واجب لا بد منه

من كثرة ما نرى ونعيش ونقرأ من حكايات ووقائع يحلو للدنيا أن تتحول لشيء لا أستطيع وصفه؛ وكأنها تشير بإصبع إحدى يديها نحوي ويدها الأخرى على بطنها لشدة ما تضحك بلؤم ومن بين تلك الضحكات تسترد بعضاً من أنفاسها لتقول باستهزاء تام: بلا إنسانية بلا بطيخ….. ماذا أقول؟! اللهم احفظ عقلي فإنه ما عاد يحتمل

هل فعلا هذا الكتاب سيكون الفصل الأخير لهذه القضية أم أنني أهوى تعذيب نفسي، ففي وسط هذا العذاب أعترف أنني أجد نوعاً ما فائدة يجب ذكرها ألا وهي التذكير بطريقة غير مباشرة بوجود ذلك الشيطان بداخلي فالعلم بالشيء سيولِّد (وكلي رجاء) نوعاً من أنواع الدفاع والحصانة لمنع اصطباغي في يوم من الأيام بطابع لا إنساني فالقيم التي أدعي أني أمتلكها تبقى جوفاء إلى أن تحين ساعة الجد؛ كيف يتحول البشر بلحظة من كتلة إنسانية إلى مسخ لا إنساني والنتيجة هي اللامعقول بعينه. مرة أخرى هل سيكون هذا الكتاب الفصل الأخير؟ هو قرار لن يرجعني عنه سوى أن أسمع أن “بنبين” قد كتب كتاب عن معاناته التزمامارتيه؛ ولمن يسأل عن “بنبين” سأقول: أنه الناجي الذي كتب عنه بن جلون في روايته، ولمن يسأل مرة أخرى لماذا هو بالذات؟ سأجيب: أن ردة فعله وطريقة تقبله لتلك المأساة شيء أرغب في أن أفهمه أكثر، فأن يغمره سلام داخلي وهو في ذلك الجحيم أمر فوق مستوى استيعابي وأتمنى أن يصيبني منه القليل… فإلى أن يرى ذلك الكتاب النور أقول: هذا الكتاب هو الفصل الأخير من حكايتي مع تزمامارت

يبدأ محمد الرايس هذا الكتاب بداية كوميدية للصراحة؛ بداية الكتاب عن تفاصيل انقلاب الصخيرات وهو انقلاب كوميدي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. عندنا تعبير في ليبيا لوصف بعض الأشخاص اللذين يعيشون بدون تفكير أو تخطيط ومع ذلك أمورهم في السليم وتمام التمام وهذا التعبير هو أنهم (عايشين بالبركة) ولكن وجب التنويه أنهم حين يسقطون تكون السقطة قوية ومدويَّة؛ هذا الانقلاب هو انقلاب بالبركة ولهذا نتيجة فشله مأساوية

هي كوميديا بعينها أن يتحرك رتل عسكري من المدرسة العسكرية اهرمومو الواقعة شرق مدينة فاس تجاه الرباط (استعينوا بالعم قوقل لتكتشفوا طول المسافة) دون أن يلفت الانتباه، والأشد كوميدية من ذلك هي المشاهد التي وصفها الرايس داخل القصر الملكي في الصخيرات من دخول للرتل وعدم تعجب أصحاب الحفل (نسيت أن أقول أن الحفل لعيد ميلاد الملك يا جماعة) لهذا المنظر المهيب واستمرارهم في لعب القولف وأخذ الحمامات الشمسية حول المسبح؛ وابل الرصاص الذي بدأ هو فقط من حول مشهد الحفل إلى صياح وهرولة للحفاظ على الأرواح. تتوالى المشاهد الكوميدية من قِبل الجنود المشاركين اللذين ينحدرون من مناطق تحت مستوى خط الفقر اللذين وقفوا مندهشين من مظاهر البذخ أو من رؤية البحر لأول مرة في حياتهم أومن شتى صنوف الأطعمة مما دعا بعضهم لرمي السلاح للتمتع لأول مرة بهكذا وليمة لن تتكرر على حد قولهم، وجب التنويه أنهم لا يعلمون أنهم في عملية انقلابية فقد انطلقوا من اهرمومو لغرض عملية تدريبية وداخل الصخيرات أعلمهم أعبابو أنهم يجب أن ينقذوا الملك من أعداءه على حد قول الرايس. يحلو لي في خضم هكذا فوضى وكوميديا سوداء أن أقرأ عن أمراض مجتمعاتنا من بين السطور أو بوضوح صادم

تبقى ملابسات هذه القضية غامضة فمهما أسهب الكثيرين في روايتها يبقى الغموض يكتنفها فشخص كالكولونيل إعبابو كما وُصف غريب أن ينفذ عملية بهكذا غباء كوميدي، أكيد أنه اعتمد على أشخاص خذلوه لاحقاً أو أنه فعلا إنقلاب بالبركة يا يصيب يا يخيب، وقد خاب والنتيجة هي: جحيم تزمامارت لمن لا يستحق… تفاصيل الانقلاب بالمقارنة بما كتبه أحمد المرزوقي في كتابة أغزر بالمعلومات لأن الرايس برتبته العسكرية بالمقارنة مع المرزوقي كان قُرب إعبابو تقريباً طوال الوقت ولذلك حكم عليه بالإعدام يليه سلسلة من كوميديا ملكية تسمى “بالعفو الملكي” تدرجت إلا أن تنسّم الحرية مجدداً

بعد ذلك تبدأ رحلة الألم التي وصفها الرايس فيما تبقى من الكتاب بترجمة خجولة وكثرة ال(…) في نهاية أو وسط العديد والعديد من المقاطع التي لا أعرف ما تعنيه بصراحة ما تبادر لذهني أنها مقاطع ممسوحة ولله العلم؛ أعتقد أنها تفاصيل توصف بالقشور في حضرة هذا الجحيم فاعترف أني تغاضيت عنها

الغريب في كتابة الرايس أن أغلب المسئولين لم يسلموا من نقده واتهامه لهم جهاراً أو بالإشارة للحرف الأول من اسمهم، إلا من يجلس في قمة الهرم “الحسن الثاني” فهو برأيه المغفور له بإذن الله أو رحمه الله ومرة أعتقد إن لم أكن مخطئة سبق اسمه لفظ “جلالة”!!!. الرايس يؤمن بفساد البطانة وأن الرأس الكبير لم يكن يعلم شيئاً. طيب، قد أصدق ذلك وأجاري الرايس لكن لا أعتقد أن مجاراتي لاعتقاده ستستمر أكثر من 18 عاماً؛ فالعالم كله سمع بالقضية في السنوات الأولى إلا الملك ويالا الغرابة فقد سمع متأخراً جداً جداً بهكذا معتقل ولم يعترف بوجودة أبداً بالمناسبة فهو على حد تعبيره {أن هذا السجن لا وجود له إلا في خيال أعداء الديمقراطية في المغرب}؛ شخصياً لا أؤمن أبداً بأن رأس الدولة سليم في حين أن الجسم فاسد ورائحته تزكم الأنوف، ولكن بالطبع لا ألوم الرايس فقد وقد وقد…. من يدري

الجزء الأخير من الكتاب يصف فيه الرايس حياة أشباه البشر الناجين من المعتقل وحياتهم داخل المعتقل الأكبر؛ فالتأهيل لهكذا حياة رفاهية لا يحلم بها حتى سكَّان السجون العادية فما بالكم بتزمامارت، يكفيهم شرف أنهم خرجوا أحياء “بعفو ملكي” الذي أحب أن أسميه “تلميع للملك” فهو الهواية التي يمارسها الملوك في أوقات فراغهم التي يصدف ويا محاسن الصدف أن تكون في المناسبات الرسمية من أعياد دينية أو وطنية فهذه التواريخ هي مناسبات مهمة يعوِّل عليها السجناء كثيراً .. ولقد أنكوى التزمامارتيين كثيراً بنار الإحباط قبل أن يتذكرهم الملك أخيراً وبعد أن فقدوا الأمل منه

يقول الرايس بعد الإفراج عنه من السجن المركزي المحطة الأخيرة (بعد 18 سنة في تزمامارت وشهر من مرحلة التسمين والعلاج المكثف ليسترد بعضاً من مظهره الآدمي كمحاولة للتخفيف من الجريمة) التي قضى فيه أكثر من سنة بانتظار “تلميع ملكي” آخر بحكم أنه محكوم عليه بالمؤبد، يقول:

[عندما أفكر في السجناء المرضى، الحمقى الذين تركتهم ورائي في السجن المركزي وأشاهد على الشاشة المذابح التي يرتكبها الأقوياء ضد الضعفاء في البوسنة والهرسك وأرى المأساة الفلسطينية والمآسي والحروب الأهلية والدينية والإيديولوجية أقول إن العالم أضحى تازمامارت كبيرة دون أن يدرك ذلك!]

صدقت والله… لا تأمن لأحد، حتى لنفسك فبداخلك شخص آخر ينتظر اللحظة التي يكشِّر فيها عن أنيابه…. تبقى إرادة البشر هي القشة التي أتعلق بها هذه الأيام وحكاية تزمامارت بكامل فصولها وإن كانت تفرد أغلب صفحاتها لوصف تلك اللاإنسانية اللامعقولة لا أنكر أنها اشتملت على ضوء خافت متمثل في إرادة البشر التي يغذيها الأمل، الأمل بالحرية يوماً ماً. فسبحان الله فبمقدار ما كانت هذه المأساة صادمة بمقدار ما أبهرتني إرادة من خرج حيّا من هكذا جحيم

ثلاثون شخصاً لقوا حذفهم داخل السجن، شخص واحد انتحر من بينهم أما الباقي فقد اجتمعت فيهم أصناف من الأمراض أودت بحياتهم، ولم يسلم الكثيرين منهم من الجنون قبل موتهم ولكن يبقى السجين”لغلو” أكثرهم بؤساً شتى صنوف الأمراض نهشت جسده كباقي زملائه ولكن الأنكى من ذلك أن جسمه أصابه الشلل و نام على جانبه الأيسر 11 عاماً (لن أستمر قصة هذا الرجل تدمي القلب) أسأل الله لهم الرحمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *